30/11/2024 | محافظة حماة | قرية كفرزيتا
#ثائر_من_بلدي. ثمن الحرية
في مخيم خالد بن الوليد في سرمدا، جلس خالد سليمان اللبن يتأمل السماء. وجهه المتعب كان يحمل آثار السنين، وعيناه المرهقتان تخفيان خلفهما حزناً دفيناً. لم يكن يتوقع أن يكون القدر بهذا القسوة، لكنه كان صابراً، محتسباً، راضياً بما كتب الله له.
خالد، الرجل الخمسيني، نزح من كفرزيتا قبل سقوطها بأيام. لم يكن النزوح خياراً، لكنه كان قدراً حتمياً لمن أراد النجاة. رغم قسوة الحياة في المخيم، لم ينكسر، فقد كان يحمل في قلبه حباً للوطن، وإيماناً بأن التضحية هي السبيل الوحيد لاستعادة الأرض.
كان لديه ثلاثة أبناء، كلهم تربوا على العزة والكرامة. أحمد، الابن الأوسط، كان أول من سار على طريق الفداء. وُلد في 9/5/1999، ولم يكد يتم الثامنة عشرة حتى التحق بالصفوف الأولى، مؤمناً بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. في 10/5/2017، ارتقى شهيداً على جبهة الزلاقيات، تاركاً خلفه قلب والده يعتصره الفراق،
مرت الأيام، وكبر الحزن في قلب خالد، لكنه لم يكن وحيداً في دربه. سليمان ومحمد، ولديه الباقيان، كانا يعرفان أن الطريق لم ينتهِ بعد، وأن دماء أحمد كانت بداية الحكاية، لا نهايتها.
عندما بدأت معركة التحرير، لم يترددا لحظة. انطلقا بسيارتهما الخاصة، يلحقان رفاقهما في الميدان. كان معهما ابن عمهما مرعي، وزوج أختهما أبو الزين. كانوا يعرفون أن الطريق الذي يسلكونه قد لا تكون له عودة، لكنهم مضوا بإيمان راسخ، مؤمنين بأن الأرض لا تتحرر إلا بدماء أبنائها.
في 30/11/2024، وقع الخبر كالصاعقة... استشهد الجميع في أحد مقرات إيران في خان شيخون. لم يتبقَ لخالد أحد، قدمهم جميعاً فداءً لله والوطن.
عندما اتصلت به معزياً، جاءني صوته ثابتاً، لكنه محمّل بصبر الأنبياء:
"لم يعد لدي أحد... قدمتهم جميعاً في سبيل الله."
لم يكن هناك بكاء، لم يكن هناك نحيب. كان خالد يعلم أن البكاء لن يعيد أبناءه، لكنه كان يعلم أيضاً أن لقاءهم في الجنة وعد من الله. الآن، كان عليه أن يكمل المسير، أن يكون الأب لمن تبقى. كان يرعى أطفال سليمان الثلاثة، وحفيده المنتظر من محمد، وأبناء ابنته الخمسة، الذين يعيشون معه.
في تلك الليلة، جلس تحت السماء مجدداً، ينظر إلى النجوم، وكأنها تهمس له: "لقد سبقوك إلى الجنة، فاصبر."
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق